«في اليمن» .. زوِّجني شقيقتك وتزوّج شقيقتي زواج البدل.. مصير في مهب الريح
زوِّجني شقيقتك وتزوّج شقيقتي ويكون المهر مقابل المهر، هذا هو مبدأ زواج البدل أو الشغار.. لم يدفع سفيان مهراً في زواجه ولم يقدّم كسوة ولا ذهباً؛ لكن وفي مقابل ذلك فإنه زوّج أخته لشقيق زوجته دون أن يدفع هذا الأخير مهراً ولا كسوة ولا ذهباً أيضاً، وتم الاحتفال بزواج سفيان وصهره في يوم واحد، وهذا ما يسمّى في التراث العربي “زواج الشِغار” ويقال إن اسمه مأخوذ من “شغر المكان” أي خلا، وسمّي بهذا الاسم لخلوّه من تحديد المهر للزوجة..هذا النوع من الزواج معروف لدينا في اليمن بزواج «البدل» أو زواج المناقلة، وزواج الشغار منهي عنه في الإسلام؛ لأن المهر حسبما يوضح الشيخ فيصل مولوي: “واجب في الزواج بلا خلاف” وهو وإن لم يكن ركناً من أركان الزواج ولا شرطاً من شروطه في قانون الأحوال الشخصية اليمني؛ إلا أنه يلزم “المعقود بها بعقد صحيح” وهو “ملك للمرأة تتصرّف به كيفما شاءت، ولا يُعتد بأي شرط مخالف”.
وهو زواج يثير جدلاً كبيراً حول مصير عائلات مستقرة يصبح في مهب الريح لاختلال العلاقات في العائلات المناظرة، ووفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية «أ. ف. ب» ينتشر هذا النوع من الزواج في ريف اليمن؛ حيث تسود العلاقات القبلية والفقر وجهل المرأة بحقوقها.
ويجمع علماء دين على أن زواج الشغار ليس من الإسلام بشيء، إلا أن كثيرين في المجتمع اليمني القبلي المحافظ جداً يعتقدون أن ذلك الزواج يحافظ على العلاقات بين العائلات، وعلى التماسك الأسري، ويحفظ المال والتركة في العائلة؛ إذ أن البدل غالباً ما يكون في إطار العشيرة أو العائلة الواحدة.
أجبروه أن يطلّق بـ«القوة»..!!
^.. تقول زبيبة: إبن عمي علي وأخي ناصر تزوّج كل منهما بأخت الآخر، وبعد سنوات طويلة دبّت خلافات في بيت الأول انتهت بالطلاق، فيما تمسّكت أخته بزوجها أخي وأولادها، ما دفع بإخوتها إلى اقتحام منزل أخي لأخذها بالقوة وإجبار أخي على تطليقها، وهذا ما كان بعد سنوات من المشاكل والعراك والخلافات انتهت معها علاقتنا الأسرية مع بيت عمّي نهائياً..!!.
مشاكل على طول
^.. عمرو علي ناجي يقول: زواج «البدل» ظاهرة سيئة من حيث عدم التفاهم والمشاكل التي تحدث لاحقاً بين الأسر من حيث إذا حدثت مشكلة بين إحدى الأسرتين تبدأ المشاكل من عند الزوجات، وتدخل فيها العائلات، وكل تقف مع ابنه، وتُنسى الروابط الأسرية؛ أولاد عمّى تزوّج كل منهما بأخت الآخر، والمشاكل على طول، فإذا وقعت مشكلة في بيت عمّى الأول البنت التي متزوّجة على ابن عمّى الآخر تعود إلى بيت أهلها، وأعتقد أنهم لم يدفعوا مهراً، المشاكل كثيرة بسبب هذا الزواج لدرجة أن عمتي لو صيّحت على بنت عمّى الأولى؛ فإن زوجة عمّى الثانية تصيح على بنت عمى الأخرى؛ يعنى باختصار «بدل» حتى في المشاكل.
زواج «الندامــــــة»..!!
^.. هكذا باتت تسمّيه الحاجة جليلة؛ تطلق الحاجة جليلة علي تنهيدة عميقة وتبدو الكآبة على وجهها وهي تروي مأساة ابنها الذي كان ضحية هذا النوع من الزواج، تقول: “اتفق زوجي مع من كان أعز أصدقائه على أن نزوّج أبناءنا زواج "الندامة" هذا؛ وبعد عامين لم تتفق ابنتي مع زوجها وكانا على خلاف دائم، ومن الطبيعي أن أي خلاف بينهما يمتد لابني وزوجته، فما أن عادت ابنتي إلى البيت حتى تركت زوجة ابني البيت، والمشكلة أن ابني كان متعلقاً كثيراً بزوجته وكانا على وفاق؛ تطورت الخلافات بين العائلتين ووصلت إلى المحاكم وفشلت كل الحلول، لنتفق بعد أن خسرنا أموالاً طائلة على حل قبلي عُرفي، وذلك بأن يطلّق ابنانا معاً؛ لكن ابني فقد صوابه من جراء ضغوطنا عليه ليطلق، ومازال إلى الآن على هذه الحالة يعاني حالة نفسية صعبة.
خوفاً على أخته من «العنوسة»
لم تقتصر هذه الظاهرة على الأميين، فمحمد «35 عاماً» تلقّى تعليماً عالياً، ويدرك خطورة زواج الشغار، لكنه اضطر ـ كما يقول ـ تحت ضغط أهله إلى القبول بالزواج على طريقة البدائل خوفاً على أخته التي تكبره بالسن من العنوسة؛ وقال: “كان الشرط أن أتزوّج بنت أحدهم مقابل زواج أخيها بأختي، فأهلي يعتبرون ذلك ضرب عصفورين بحجر؛ عانيت مشاكل لا تُحصى منذ بداية هذا الزواج، ولم أتفق مع زوجتي، وبالمثل أختي مع زوجها، وتجرّعنا مرارة هذا الزواج سبع سنوات فقدت بعدها القدرة على أن أتحمّل أكثر وطلّقت زوجتي التي أخذت ولدي وابنتي معها ولم أرهم منذ أربع سنوات وبدورها، تطلّقت أختي وعادت إلى منزلنا مع أولادها الثلاثة.
أرغموه على الزواج بـ«ثانية»
تختلف قصة خالد «28 عاماً» الذي أقدم على زوج أخته بزواج من ثانية، فأرغمه أهله على رد فعل مماثل فتزوّج من ثانية على زوجته التي هي شقيقة زوج أخته، ويضيف: “عانيت الأمرّين، وعاش أولادي من الزوجتين وضعاً غير إنساني”، في إشارة إلى المشاكل المادية الكثيرة.. في هذه القضية يجمع علماء الدين الإسلامي على اختلاف المذاهب أن زواج «الشغار» منهى عنه شرعاً، إلا أن بعضهم يحلّلونه في حال تسمية المهر.
ويرى القاضي العمراني «أنه حين يرتبط طلاق إحدى الزوجتين بالأخرى، ويرتبط هروب إحداهما من بيت زوجها إلى بيت أبيها بسبب مشاكل مع زوجها بهروب الأخرى التي ليس بينها وبين زوجها أي مشاكل، فهذا يعني أن هذا الزواج حرام؛ لا لذات العقد ولا لأنه شغار، بل لما ينشأ عنه من مشاكل بين الأسرتين؛ ولأنه قد يؤدّي إلى طلاق المرأة التي ليس بينها وبين زوجها سوء عشرة، وقد يتسبب في ضياع الأطفال».
وزيرة حقوق الإنسان حورية مشهور تقول لوكالة الأنباء الفرنسية: استمرار هذه الظاهرة يرجع إلى المغالاة في المهور والمبالغة في شروط الزواج “فيكون الحل لمن لا يستطيعون توفير كل هذه المتطلبات زواج البدل”.
وقلّلت مشهور من مدى انتشار الظاهرة، إلا أنها أشارت إلى عدم وجود دراسات وأرقام واضحة حول هذه الظاهرة، ورأت أن نسبة انتشار زواج الشغار “تتضاعف كثيراً في ريف اليمن بسبب العادات والتقاليد الموروثة والتمسُّك بتزويج الأقارب عن طريق الشغار، ما يؤدّي إلى مضاعفات خطيرة تهدّد البناء الاجتماعي للعائلة بسبب المشاكل والخلافات، وقالت: “المرأة هي من تظلم في هذه الزيجة؛ لأنها تُحرم من حقها في المهر، وإذا انفصلت بديلتها لاقت هي المصير نفسه وانهارت الأسرة” وأكدت أهمية أن تدرس هذه الظاهرة من ناحية اجتماعية، والتوعية بالمشاكل الناتجة عنها.